Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Almi Urbanisme
18 octobre 2014

Colonialisme et urbanisme سعيد علمي : الاستعمار والعمران

 

سعيد علمي

 

الإستعمار والعمران

السياسات الاستيطانية والعمران في الجزائر

  

ISBN : 978-9961-9866

Dépôt légal : 98-2012

© Les Editions Dar Khettab, Alger

   Tous droits réservés

كتاب مرجعي هام بلغة الضاد

 

د. عبد الجليل التميمي

 

 عندما أهداني منذ سنتين د. سعيد علمي نسخة من رسالته الجامعية والمعنونة: الفضاء العمراني والاستعمار الوجود الفرنسي بالجزائر ‘Urbanisme et colonisation. Présence française en Algérie’، كنت دوما أبدي ارتياحا عميقا لأي عمل علمي ينجزه باحث جزائري, ذلك أني منذ نصف قرن قد اهتممت بتاريخ الجزائر, وقمت بإعداد رسالتي الجامعية عن تاريخ الجزائر ونشرت عشرات البحوث وبضعة آلاف من الوثائق الجديدة  والتي اكتشفتها شخصيا بتركيا وبريطانيا  وفرنسا وتونس وتم نشرها تباعا في المجلة التاريخية المغاربية والمجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية, كما أني كنت أواكب بعناية بالغة ما ينشر في الساحة الجزائرية والفرنسية من أعمال أوما يناقش من رسائل جامعية في الجامعات الجزائرية والأوربية, وعليه عندما أهداني د. سعيد علمي رسالته الجامعية المنشورة بالفرنسية, سرعان ما أتيت على قراءتها, وشعرت حقا بارتياح عميق لأسباب عديدة أذكر منها وباختصار :

- أن هذه الرسالة خرجت عن الأعمال الجامعية التي ركزت أغلبها على الطابع الحدثي إلا القليل النادر من الرسائل الجامعية التي وظف أرشيفات الدولة الجزائرية الغنية والراجعة إلى العهد العثماني وهناك مؤرخون ومؤرخات شرفوا البحث التاريخي الجزائري اليوم.

- إن د. سعيد علمي ليس بالمؤرخ التقليدي, بل على العكس من ذلك هو مختص بدراسة وبتطور الفضاء الهندسي للجزائر طوال المد الاستعماري, وهو انثروبولوجي وعالم اجتماع ومعني بكل المتغيرات الهندسية وتداعياتها المباشرة على الفرد الجزائري, ثم أنه بحكم مهامه العلمية والإدارية العديدة, هو عضو في المجلس الإداري للجمعية الفرنسية للمختصين بالهندسة المعمارية SFU وعضو في العديد من المنظمات المغاربية والفرنسية ومندوب لدى هيئة الطاقات المتجددة للمغرب الكبير للجنتها الفنية وفضلا عن ذلك فهو مدير مجلة Urbanissimo التي تصدر بباريس وهو مراسل مجلة Vies de Villes بالجزائر.

أما منشوراته فقد تعددت وتمحورت أساسا حول الاهتمام بالتراث المعماري الجزائري, وهو ينادي بمنح هذا الاختصاص كل الأهمية البالغة ولديه منظومة فكرية متنوعة وثرية بل وجب القول أن له خطة طريق جديدة ورؤية استشرافية لتبني المشاريع العمرانية المستجدة ووجوب استجابة مدننا للقواعد الفنية لإنشائها، وهذا حفاظا على طابعها العربي-الإسلامي وخصوصياتها المعمارية والتي وجب المحافظة عليها وتطويرها وفقا للمتغيرات المعمارية الفنية والتي يعرفها هذا الاختصاص عبر العالم.

بل د. سعيد علمي ينادي بالتفتح على الآخرين والاستفادة من تجاربهم ومشاريعهم. وأذهب إلى الاعتقاد أن د. سعيد علمي أثبت في كتابه هذا أنه نفذ وبعمق إلى خصوصيات الفترة الاستعمارية للجزائر وتوقف حول فهم وتحليل قوانين وتصريحات القيادات العسكرية تجاه سياسة الاحتلال الفرنسي، كما أبرز طبيعة القوانين الاستعلائية ذات الطابع المهيمن والصادرة عن الساسة الفرنسيين  منذ الاحتلال تجاه المواطنين. وقد طالب أحد المستعمرين هو Leblanc de Prebois حذف كلمة الجزائر أصلا من القاموس وابدالها بكلمة فرنسا ! أما السيد Bodichon فأعلن أنه على الجزائريين أن يكونوا أوربيين أو يمسحوا تماما من الخارطة. كما ذهب الحاكم الفرنسي Jules Cambon أن الجزائر توجد في التسمية اللغوية فقط, ونادى بتطهير شعب الجزائر من الجنس العربي ويرى أن ما قام به الأمريكيون تجاه الهنود لديهم هو شيء يستحق الذكر, كما وشنع د. العلمي بمواقف المستعمرين مع ذكر أسمائهم والذين نادوا باحتلال وافتكاك أراضي المواطنين بالقوة ومدها إلى الوافدين الجدد من الأوربيين.

كما توقف مؤلفنا حول عديد الشخصيات الفرنسية والتي اتسمت مواقفها وكتاباتها بالاعتدال والإنصاف والأخلاق ألم يكتب السيد Enfantin في كتابه استعمار الجزائر Colonisation de l’Algérie, أنه شنع وبقوة بالإعدامات التي قام بها الجنود وهي التي تذكر بجنون العظمة في الماضي, مذكرا أنه على فرنسا أن تتعلم من العرب وليس العكس وأن كتابه يعد أوفى المصادر وأثبتها. كما توقف د. علمي أيضا حول عديد الشخصيات الفرنسية أمثال اسماعيل Urbain والسيدة Luce والسان سيمزمميين  وغيرهم من الشخصيات التي اتسمت مواقفها بالاعتدال. وفي كتاب  د. علمي فصول رائعة جدا حول فشل السياسة الاندماجية الفرنسية تجاه المواطنين, وفصل مفيد جدا حول ما قام به الأثريون والمؤرخون من تحريات وبحوث شملت تاريخ الجزائر وأغلبها قد غطى الفترة ما قبل الإسلام, أما العهد الإسلامي والعثماني فلم يحظ بالاهتمام، إذا قارنا ذلك بالفترات الأخرى وهوما يترجم عن عدم وجود ولا متحف اسلامي متكامل طوال العهد الفرنسي في الجزائر، مع وجود مختصين كبار.

لقد نوه د. سعيد علمي بعديد الشخصيات العلمية ودون أن نجاري المؤلف في تقييماته لدورهم بشكل عام, نؤكد أن هناك باحثين ومؤرخين قاموا في لحظة تاريخية معينة وفي مناخ سياسي استعماري بإنشاء المجلة الافريقية Revue Africaine والتي بقيت تصدر حتى سنة الاستقلال 1962 وبدأت بالصدور سنة 1856, وهوعمل على الرغم من المآخذ العلمية على بعض الدراسات, يبقى عملا مرجعيا بامتياز حتى اليوم, وهناك مئات الآلاف من الدراسات والكتب والتي عكست مجهودا ثابتا, استوجب التنويه بذلك من موقعنا كمؤرخين.

أختم بالقول أن كتاب د. سعيد علمي هو مساهمة مشرفة جدا للبحث الأثري والانثروبولوجي أثناء المد الاستعماري وأنا أدعو الجزائريين أن يطلعوا على هذا الكتاب النفيس جدا, فالكتب النفيسة والهامة أصبحت نادرة جدا اليوم. هنيئا للجزائر بهذا الإنجاز البحثي بامتياز, كما أنوه بفكرة تعريبه, إذ مثل هذه الأعمال المعربة يتقديم البحث التاريخي الأثري في الجزائر وفي فضائنا المغاربي.

 

د. عبد الجليل التميمي

23/01/2013 تونس في          

 

 

 

 

السياسات الاستيطانية والعمران في الجزائر

 

مقدمة

 

 

غالبا ما يتجاهل مؤرّخو الاستعمار الفرنسي في الجزائر، الإشارة إلى أهمّية المذهب الفورياري والمذهب السان – سيموني ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي. إذ يلقي هؤلاء الستار على تأثير هذين المذهبين على مختلف الأنظمة الاستيطانية المعتمدة في إفريقيا الشّمالية، بالرّغم من كونهما مرتبطان بالخيارات العمرانية والتّخطيطية المتّخذة هناك. لم يقدّر كلّ من شارل - أوندري جوليان(Charles-André Julien)   [1] وأني راي – غولدزيغر (Annie Rey-Goldzeiguer)، في أطروحتها حول سياسة المملكة العربية، [2] ولا حتّى جون – بيار  بيرونسال– هو غوز  (Jean-Pierre Péroncel-Hugoz)[3]، القيمة الحقيقية للطّابع التّأسيسي للفكر السان – سيموني، وبالأخص إعادة التّوجيه الأنفونتيني(enfantinien)  للسان – سيمونية في الجزائر [4]. إذ لم يتطرّق هؤلاء المؤرّخين إلى مبدأ أساسي يتمثل في مبدأ التجمع، ولا إلى مبدأ الحفظ الّذي ميّز خطابات بعض ضبّاط الجيش. لكن تداول مبدأ الادماج، الناجم عن برنامج المستوطنين المدنيين خاصّة، بصفة كافية في كتاباتهم، كما تعدّ عبارة: «العبقرية الإدماجية لفرنسا تعبيرا مألوفا. لكن، لم يتم إقامة أي مقاربة بين هذه الحالة الأخيرة وبين المشروع الاستيطاني الفورياري بصفة عامّة، ولا بينها وبين التجربة الفالنستيرنية (phalanstérienne) (تجمّع انتاجي مشترك) لمنطقة السيق قرب ولاية معسكر، بصفة خاصّة.
في بداية القرن XX، شهدت فرنسا عدّة أعمال تمثل هدفها في إعادة تأهيل «الاشتراكية الفرنسية القديمة». تخصّص شارل جيد(Charles Gide)  في دراسة فورييه(Fourier)  «العبقري الغريب» [5]. واستعاد مذهب سان – سيمون، الّّذي أدّى إلى توليد الحركة الفكرية الهامّة المعروفة بالسان – سيمونية الجديدة، ومذهب برودون (Proudhon) أهمّيتهما بعد صدور كتب ومجلاّت تناولت مبادئهما. أمّا بالنّسبة للجزائر، فلم تمتلك مخزونا وثائقيا في هذا المجال إلاّ بعد نشر أطروحة مارسال إمريت (Marcel Emerit) سنة 1941، التي تناول فيها الحلقة الجزائرية من مسيرة حياة أونفنتان (Enfantin) ورفقائه[6]. وفيما يخصّ الفورياريين، وجب انتظار صدور المقال الأخير لفرناند رود(Fernand Rude)  خمسة عشر سنة بعد ذلك [7]. لم يحظى فكر برودون، من جهته، بأي اهتمام نظرا لسوء الحظ الّذي عانى منه.
ورد في غالب الأحيان خطأ في التّقييم بين الفوريارية والسان - سيمونية، بالإضافة إلى هذا النسيان التاريخي، حيث تنسب إليهما، بصفة عشوائيا، صفة التجمع الطوباوي. وما يثير التباسا، هو حمل كل من المذهبين لمشروع حسّاس وإصلاحي للمجتمع الذي عمل كلاهما على تغييره. غير انّ يكمن اختلاف جوهري وراء هذا التشابه الظاهر.
يسمح تسليط الضوء على المبادئ التّوجيهية الثلاثة المتمثّلة في: الحفظ والتجمع والادماج التي عُمل بها طيلة التاريخ الاستيطاني الجزائري، بالتأكيد أنّ هذا التّاريخ لا يتمثل في كتلة متجانسة، منغلقة على كلّ عمل تمييزي، على عكس الآراء السائدة، بل في مجموعة من الأساليب المختلفة أوحتّى المتناقضة[8] الّتّي تعدّ التسميات الثلاثة السابقة نماذج لها. إذ ترسّخت هذه المذاهب على مدى القرن وشهدت عدّة أنظمة سياسية، منذ نهاية استعادة البوربونإلى غاية قيام الجمهورية الثالثة، مرورا بنظام ملكية جويلية والجمهورية الثانية والإمبراطورية الفرنسية الثانية. شهدت هذه المرحلة من التاريخ نظامين رئيسيين في الجزائر، يتمثلان في: النّظام العسكري، الّذي امتدّ من سقوط الجزائر العاصمة إلى غاية سقوط الإمبراطورية، والنظام المدني بداية من  1870.

 

هل ينبغي الامتناع عن أخذ أساليب السياسة الاستيطانية «حرفيا»[9] أي بجدية بحجّة أنّها «تستعمل كلّ الايديولوجيات عشوائيا»؟ ممّا لا شك فيه أنّ الواقع الاستيطاني في حدّ ذاته عمل يستحق الإدانة، وكذا بالنسبة لأساليبه، أيّا كانت طبيعتها، باعتبارها جزءا منه. قام الجنرال ولسين إسترهازي (Walsin Esterhazy) بإدانة هذا الأخير بصفة عامّة، حيث صرّح سنة 1849: «يمكننا القول بدقّة أنّه لم يتم تنظيم العرب إلاّ خدمة للمصلحة الأنانية لسيطرتنا: فلم نأخذهم بعين الاعتبار إلاّ من منظور الاستفادة التي استطعنا جنيها منهم، سواء كان ذلك فيما يتعلّق بالضرائب أو بكلّ الأعمال؛ خدمات الحرب، إلخ، التي تمّ فرضها عليهم بصفة تعسفية. أمّا فيما يخصّ المصالح العامّة للسكّان، (...) فتجاهلتها إدارتنا بصفة تامّة...» [10]. لكن باعتبار الفعل الاستيطاني واقعا تاريخيا أي أمر واقع، والتاريخ بطبيعته لا رجعة فيه، ألا ينبغي الامتناع عن إحداث أية مفارقة تاريخية والرجوع، بدل ذلك، إلى السياق التاريخي؟ بعد مضي أربعين سنة عن استقلال الجزائر، ينبغي بذل كلّ الجهود واعتماد كلّ الأساليب لدراسة الوسائل المستخدمة، والسعي إلى الحصول على أجوبة تعكس بصورة أفضل «الاختلافات المتعلّقة» بالاستمرارية الاستيطانية وهذا بغرض «اكتشاف ما هو غير متجانس» [11]. تمثل هذه الأساليب مواضيع البحث هذا ووحدات فهمه.
لا يمكن فهم هذه التساؤلات إلاّ من خلال منظور العلاقة المفترضة أو المحبّذة مع الطّرف الأخر [12]، نظرا لإندراجها ضمن سياق استيطاني. كتب أحد الملاحظين الحريصين في هذا الصدد أنّ: «القضية الجزائرية تتلخّص في العداء القائم بين الجنسين المتمثلين في: جنس الأهالي وجنس المهاجرين»[13]. كما صرّح قبله شاهد للسنوات الأولى للاحتلال قائلا: «تهيمن قضية إقامة العلاقات مع الأهالي على القضايا المتعلقة بإقامتنا في إفريقيا» [14].
لن تهمنا هذه الاعتبارات التاريخية إن لم تكن متعلّقة بمجال بحثنا الخاص، المتمثل في العمران.تهيمن أربع اتّجاهات، محافظ وتنظيمي وتقدّمي وثقافوي، على فكرة التهيئة العمرانية الجزائرية. وتتوافق هذه الاتجاهات، بصفة غريبة، مع تلك الناجمة عن المبادئ الثلاثة السابقة، باستثناء الاتجاه الأخير الذي ترأسه أساسا توني سوكارد (Tony Socard).

لايختلف موضوع المبدأ السياسي المحافظ المتمثل في الحفاظ على النظام الاجتماعي المحلي والدفاع عن الأفكار والمؤسّسات التقليدية، عن ذلك المطبق على المناطق العمرانية بداية من 1900 تحت قيادة الحاكم العام شارل – سيليستان جونارت (Charles – Célesin Jonnart). وباعتبار العمران فرعا مستقلا في طور الإنجاز [15]، أخذ هذا التطبيق شكل مجموعة من الأنشطة تهدف أساسًا إلى حماية وتعزيز إرث الماضي. لذا، اكتسبت الأحياء القديمة ونمط الحياة والفن والحرف والصناعة الشعبية، المزيد من الاعتبار بفضل بعض النوايا الحسنة التي يعدّ إنشاء لجنة الجزائر العاصمة القديمة واحدة منها. يتماشى الاتجاه المحافظ مع مسار التجارب والأعمال السابقة الّتي كوّن معها حركة مستمرة تماثل المؤسّسة التاريخية الجزائرية، التي تم إنشائها سنة 1856، والمجلة الافريقية، جريدتها الرئيسية، التي لم يتوقف نشرها إلاّ بعد الاستقلال، على عكس الممارسات العمرانية البحتة للاتجاه التنظيمي والتقدّمي والتثقيفي، المحدّدة من خلال اقتراحات دقيقة للعمرانيين القادمين من فرنسا.

يدلّ التجمع حسب مفهوم أونفنتان، المبادر الرئيسي لهذا المبدأ، على الاتحاد في الاختلاف، حيث تهدف فكرته إلى التقريب بين الطرفين المسلم والأوربي، وإلى تشجيع التبادل مع الحفاظ على عادات ونمط حياة ونظام أخلاق كلّ طرف... يركّز الاتجاه التنظيمي، بقيادة هنري بروست (Prost)، أساسا على إمكانية إيجاد حلّ وسط بين المتطلبات المعاصرة وبين إرث الماضي [16].

تتعدّد أوجه التشابه بين المذهب الإدماجي والنظرية التقدّمية، سواء كان ذلك فيما يتعلق بأهدافهما أو بعواقبهما، إذ يحمل كلاهما مشروعا تعديليا يهدف إلى استبدال دولة بأخرى. وبالفعل، يتمثل إدماج الطرف الآخر في صياغته في صورة مخالفة لصورته الأصلية، أو بتعبير آخر، يتمثل الإدماج في امتصاص الطرف الآخر. وينبغي أن يخضع هذا الأخير إلى القيود المفروضة بغرض الامتثال لمعايير جديدة. يتميز العمران التقدّمي الذي أقامه لوكوربوزيه (Le Corbusier)في الجزائر بالدقّة نفسها، حيث قاد مجموعة من المهندسين المعماريين مالوا إلى فكرة تفكيك المدن التاريخية لاستبدالها «بمدن» خيالية يتمّ إنشائها من العدم.

         قد يبدو من الصعب أن نجدفي المذهب الإدماجي، الذي يتميز ببعد أوربي، تصوّرا مسبقا للعمران التقدّمي القائم على اقتصاد وظيفي وقيم يزعم أنها عالمية، لكن سنلاحظ أن هناك نوع من الاستمرارية الايديولوجية بين المصطلحين.

تتعلّق المشكلة الأخرى الّتي تلوح في الأفق، بالفوريارية التي تعدّ عنصرا من عناصر الفكر الادماجي. تنتمي الفوريارية إلى فئة الخطابات المسماة بـ: العمران المسبق والتي تعتبر «عمل مجموعة من المفكرين غير الأخصّائيين (مؤرّخين أواقتصاديين أوسياسيين)»[17]. وبالتّالي، ترتبط الفوريارية بخيارات سياسية بينما يعتبر العمران «من صلاحيات أخصّائيين، في غالب الأحيان مهندسين معماريين[18]، فهو بذلك مجرّد من الطابع السّياسي. غير أنّ، تشير كلتا الفكرتان إلى الجانب المكاني.

أمّا بالنسبة للمذهب السان – سيموني، وماعدا بعض الاستثناءات النادرة، فلا نجد أية إشارة إلى الجانب المكاني. وبالتالي، لا يمكن إدراجه ضمن ميدان العمران المسبق. ونظرا لعدم وجود صلة مباشرة، لا تستند المقارنة بين المذهب التجمعي والاتجاه التنظيمي للعمران إلاّ على التشابه الملاحظ في العمل. لكن، ما يبرر ذلك هوأن في كلّ حالة من هذه الحالات يتعلّق الأمر بالمشكلة نفسها ألا وهي التنظيم؛ التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الحالة الأولى، وتنظيم الفضاء العمراني في الأخرى.اهتمّ ليوطي (Lyautey)بهذين الانشغالين، إذ صرّح، بعد انتهاء مسيرته الاستيطانية، قائلا: «تحمّست لقضيتين طيلة مسيرتي الاستيطانية، تتمثلان في: السياسة المحلية والعمران، حيث ينتمي العمران في مفهومه الأوسع إلى العائلة نفسها التي تنتمي إليها السياسة المحلية» [19].

 

سعيد علمي



[1]

Charles-André Julien : Histoire de L’Algérie contemporaine: La conquête et les débuts de la colonisation (1827-1871), (Paris, P.U.F.), 1964, tome 1, 632 p.  

[2] Annie Rey-Goldzeiguer: Le royaume arabe. La politique arabe de Napoléon III (1861-1871), (Alger, S.N.E.D.), 1977, 815 p.

[3] Jean-Pierre Péroncel-Hugoz: Le «Royaume arabe» ou l’Algérie sous Napoléon III, Mémoire de diplôme, Institut universitaire des hautes études internationales, Université de Genève, 1974, 209 p.

[4] Prosper – Barthélemy Enfantin: Colonisation de l’Algérie, (Paris, P. Bertrand), 1843, 542 p. 

[5] Charles Gide: Fourier Précurseur de la coopération, (Paris, Association pour l’enseignement de la coopération), 1924, p. 21.

                بتحريض من المؤلّف، تمّ نشر جريدة أسبوعية: La Démocratie pacifique التي أخذت اسم الجريدة الفوريارية القديمة التي  ينتمي إليها . تمّ  نشر العدد الأوّل من هذه الأخيرة في شهر جانفي   1931.

[6]  Marcel Emerit: Les Saint-Simoniens en Algérie, (Paris, Société d’édition des Belles Lettres), 1941, 351 p.

[7] Fernand Rude: «Les fouriéristes lyonnais et la colonisation de l’Algérie», in: Cahiers d’Histoire, (publiés par les Universités de Clermont-Ferrand, Grenoble et Lyon, avec le concours du C.N.R.S.), (Grenoble, imp. Allier), Tome I, 1956, pp. 41-63.

[8]     أشار إليه جول دوفال (Jules Duval) منذ 1859 حيث صرّح: « تم اقتراح حشد من الأنظمة المتناقضة».

      - Jules Duval: «Politique coloniale de la France. L’Algérie. I. Gouvernement et administration», in: Revue des Deux Mondes, livraison du 15 avril 1859, p. 891.

[9]     Tzvetan Todorov: Nous et les autres. La réflexion française sur la diversité humaine, (Paris, Ed. du Seuil), 1989, p. 426.

[10]    Général Walsin Esterhazy: Notice historique sur le maghzen d’Oran, (Oran, imp. De Perrier), 1849, p. 200.

[11]    Michel Certeau: «L’opération historique», in: Faire de l’histoire (sous la dir. De Jacques Le Goff et Pierre Nora), tome I Nouveaux problèmes, (Paris, Gallimard), (1° éd. 1974), 1986, p. 51 et 48.

[12]    فيما يشاطر هذا العمل مساهمة تزفيتان تودوروف (Tzvetan Todorov) المتعلّقة بالموقف الفرنسي أمام مشكلة الغيرية، دون مشاطرة كلّ استنتاجاتها. وفيما يتعلّق بالتساؤلات المطروحة في الإقليم المستعمر أوفي «محيطه» لن توافق وجهة النظر الّتي سأبديها، رأي تودوروف الّذي اختار «الوسط».

[13]    Léon Hugonnet: La crise algérienne et la démocratie…, (Paris, Armand Lechevalier), 1868, P. 54.

[14]    Baron Jean-Jacques Baude: «Alger, du système d’établissement à suivre», in: Revue des Deux Mondes, liv. du 1° avril 1835, p. 138 et 139.

[15]    هل ينبغي التذكير أن تمّ صياغة التعبير الجديد «التوسع العمراني» (Urbanizacion) سنة 1867 من قبل المهندس الإسباني إيلدفونسوسردا (Ildefonso Cerdà)، وأن كلمة «عمران» ظهرت في فرنسا سنة 1910. أمّا بالنسبة للجزائر فلم يمكن ذكره إلاّ في نهاية العشرينيات بعد تطبيق قانون كورنودي)  (Cornudet  على مقاطعات الجزائر ووهران وقسنطينة  بداية من 1922.

[16]    تترجم في المغرب بالعمران «المنفصل» وكثيرا ما نجد كلمة «تجمع» في كتابات ليوطي (Lyautey).

[17]  Françoise Choay: L’urbanisme, utopies et réalités. Une anthologie, (Paris, Ed. du Seuil), 1965, p. 30.

[18]    المرجع السابق.

[19]    Lyautey : Préface à L’urbanisme aux colonies et dans les pays tropicaux. Communications et rapports du congrès international de l’urbanisme aux colonies et dans les pays de latitude intertropicale, (réunis et présentés par Jean Royer). Congrès tenu à l’Exposition coloniale internationale à Vincennes, 10-15 octobre 1931, tome 1, (La Charité sur Loire, Delayance), 1932, p. 7.

Publicité
Publicité
Commentaires
Almi Urbanisme
Publicité
Archives
Publicité